
طوني عيسى الجمهورية
تردّد في بعض الأوساط الإسرائيلية، خلال الأيام الأخيرة، أنّ التوغل العسكري في جنوب لبنان وتدمير الأهداف في الضاحية الجنوبية والبقاع لن يتكفّلا لإسرائيل بحسم الحرب مع «حزب الله»، إلّا بعد دفع أكلاف فادحة. ولذلك، تصاعدت الأصوات هناك مطالِبةً بتبديل المسار الحالي، إما بالانتقال إلى مرحلة من الحرب أشدّ فاعلية وتشمل أصول الدولة اللبنانية، لتسريع بلوغ الأهداف المرجوة، وإما بالسير في الاتفاق المطروح إذا كان يؤمّن فعلاً هذه الأهداف من دون تكبّد الخسائر.
ثمة من يقول: صحيح أنّ نتنياهو يُصنَّف «الأكثر اعتدالاً» داخل حكومته، قياساً إلى شركائه في اليمين المتطرّف. لكنه هو نفسه قرّر ركوب موجة المغالاة في التطرّف والحرب واستثمارها إلى الحدّ الأقصى لأنّها تخدم مصالحه السياسية لجهة استمرار التماسك داخل حكومته، ومصالحه الشخصية لجهة تجميد الملفات القضائية التي يلاحَق بها في الداخل، والإدانة التي صدرت أخيراً في حقه عن المحكمة الجنائية الدولية.
وأمس، تمّ الكشف عن معلومات مفادها أنّ نتنياهو رفض تسوية في غزة، كانت مطروحة خلال الصيف الفائت، إرضاء للوزيرين بن غفير وسموتريتش اللذين هدّدا بالانسحاب من الحكومة لأنّهما اعتبرا الصفقة مع «حماس» هزيمة لإسرائيل. كما أنّ سموتريتش أعلن من جانبه أنّ العام المقبل 2025 سيكون عام إحكام السيطرة على الضفة الغربية. ويتوقّع الإسرائيليون أن يحظى هذا القرار بدعم الرئيس دونالد ترامب وتغطيته.
هذا المناخ الإسرائيلي المتصلّب تجاه لبنان شهد في اليومين الفائتين علامات أكثر استثارة للقلق، توجتها تلميحات إلى احتمال الانتقال بالحرب في لبنان إلى مرحلة أقسى، بحيث تشمل أيضاً أصول الدولة اللبنانية التي بقيت محيَّدة نسبياً حتى اليوم، ومنها مبنى مجلس النواب. وصحيح أنّ هذه التلميحات تردّدت في أوساط سياسية وإعلامية بارزة كالوزير السابق بيني غانتس، لا عن وزراء أو رسميين، إلّا أنّ الخبراء يخشون أن يكون هذا التلميح متعمّداً في سياق خطة لتبنّيه رسمياً وتحويله إلى واقع.
ولكن، وفق مصادر ديبلوماسية، كان العائق الوحيد أمام تصعيد حكومة نتنياهو هو موقف واشنطن التي أبلغتها بضرورة التزامها مقتضيات المواجهة مع «حزب الله» حصراً. ويذكّر موقف واشنطن بدعوتها خلال حرب غزة إلى حصر القتال بحركة «حماس». ولكن، هناك، تمادى الإسرائيليون في توسيع الحرب في كل الاتجاهات. وهذا ما كان كثيرون يخشون حصوله في لبنان أيضاً. ولذلك، ضغط الأميركيون على حكومة نتنياهو للقبول بهدنة الـ60 يوماً التي يفترض أن تقود إلى اتفاق. وهذه المهلة تبدو مضبوطة جيداً على موعد تسلّم الرئيس دونالد ترامب لمسؤولياته.
وإذ يُنتظر إيضاح صورة الاتفاق بكامله، وترقب ما يمكن أن يتبع له من ملحقات، تعتقد المصادر إياها أنّ هناك «قطبة مخفية» شجّعت إسرائيل على قبول هذا الاتفاق. وهذه «القطبة» ربما تشمل أكثر من طرف إقليمي معني، كدمشق وموسكو اللذين تردّدت معلومات عن توليهما جانباً من ضمانات التنفيذ. وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فإنّ الأمر قد يفتح الباب لتحولات أخرى في هذا النزاع المعقّد والمتعدد الأطراف.